مفهوم الوعي الممكن لقد تناولت هذه المفهوم اهميه كبري علي
مستوي التواصل ونقل المعلومات ووفق بسهوله
منذ ما يقارب عشرين سنة وأنا أنظر لمفهوم الوعي الممكن؛ وإن لم أكن الوحيد
المهتم بذلك. لقد تناولت هذا المفهوم لحد الآن من وجهة نظر نفسية وسوسيولوجية
؛ لكن يظهر لي أيضا أن لهذا المفهوم أهمية كبرى على مستوى التواصل ونقل
المعلومات. لكن بما أني لم أستأنس بمشاكل نظرية الإعلام، قد لا أوفق في عرض
هذا المفهوم ، ووفق هذا المنظور بسهولة؛ لذلك سأكتفي بتحليل ما يشكل – في
نظري- أهم اكتشاف مثمر لماركس، والذي يبقى في الوقت نفسه، محور التفكير
الماركسي المعاصر، وواحدا من أهم المفاهيم الإجرائية لدراسة المجتمع . أشير من
جهة أخرى إلى أنه حتى في التحليل النفسي نوظف في آخر البحث مفهوم الوعي
الممكن بطريقة تجريبية أكثر منها منهجية ، وإذا كانت لنا بعض الأفكار التي تسمح
بتوجيه عملنا فإننا بعيدون جدا عن تحديدها بدرجة كافية تسمح بعمل جماعي، يعرف
فيه كل واحد منا، وبدقة، القواعد التي يطبقها.
لقد سئلت، عندما كونت في بروكسيل مجموعة بحث في علم اجتماع الأدب : ما
هي الشبكة التي تستعملها؟ في حين، ليست عندي شبكة محددة، وهذا ما يجعل
العمل جد صعب.
لقد ترجمت إلى الفرنسية ب “الوعي الممكن” مصطلحا معروفا في الأدب الألماني
Zugerechete Bewusstein. يمكن للباحث أو السوسيولوجي أو الاقتصادي أن يترجم
هذا المصطلح ب “الوعي المحسوب” إحالة على هذه الفئة الاجتماعية أو تلك.
للتمثيل نشير إلى ما أحال عليه ماركس Marxعرضيا في الفقرة المشهورة عن العائلة
المقدسة التي يبين فيها أن المقصود ليس هو معرفة ما يفكر فيه هذا البروليتاري أو
ذاك،
أو كل البروليتاريين، بل ما هو وعي الطبقة البروليتارية. هذا هو التمييز الأساس بين
الوعي الكائن والوعي الممكن.
إجمالا، يمكن أن نعبر بلغة المحادثة فنقول : في عملية نقل المعلومات ليس هناك فقط
مرسل للمعلومات أو جهاز إرسال أو أوالية للتبليغ، هناك أيضا الذات الإنسانية التي
تستقبلها.حتى وإن كان مسار نقل المعلومات طويلا، ويتم من خلال مشاركة سلسلة
من الأجهزة والآلات فهناك دائما في نهاية المطاف كائن إنساني، نعرف أن وعيه لا يسمح
بمرور كل شيء، وبأية طريقة.
هذا الوعي المستقبل حاجز لسلسلة من المعلومات التي لا تسمح لها بنيتها بالمرور،
في حين تمر معلومات، وتتعرض أخرى للتشويه. الذي يتتبع العملية من الخارج، ويقارن
بين ما أرسل وما استقبل سيلاحظ ،في الغالب، أن قسما من الرسالة فقط هو الذي
تم تلقيه ،في الواقع. وحتى هذا القسم يأخذ على مستوى الاستقبال دلالة جد مختلفة
عن تلك التي أرسلت .
نحن هنا أمام أمر جد هام يقودنا إلى إعادة النظر في السوسيولوجيا المعاصرة، باعتبارها
متمركزة على الوعي الكائن أكثر منه على الوعي الممكن.
اعتمادا على هذه المناهج البحثية الوصفية تهتم هذه السوسيولوجيا، في الواقع، بما
يفكر فيه الناس فقط، لكني أحب التذكير دائما بهذا المثال : إن أبحاثا دقيقة، تستعمل
مناهج نتصورها ألف مرة محكمة من تلك التي نتوفر عليها اليوم، لو اشتغلت على
الفلاحين الروس في يناير 1917 يحتمل أن تصل إلى أن الغالبية العظمى من هؤلاء
كانت مخلصة ل “تزار” Tzar[i] ، ولا تتصور حتى إمكانية قلب الملكية في روسيا .
لكن
هذا الوعي الكائن لدى الفالحين سيتغير جذريا في آخر السنة.
إذن لا يكمن المشكل في معرفة ذلك الذي تفكر فيه الجماعة، لكن في معرفة التحولات
المحتمل حدوثها في وعيها دون أن تكون هناك تغيرات في طبيعتها الأساسية .
في الحقيقة ،لقد حولت المعلومات المرسلة،المتعلقة بالبنية الاجتماعية لروسيا وإمكانية
تغييرها ،والمستقبلة من طرف الفلاحين ، في أشهر قليلة وعيهم . في الوقت نفسه –
ولأسباب سأحللها فيما بعد، ذلك أني لم آخذ هذا المثال بالصدفة – وصل الثوار الروس
إلى
التغيير الكامل للوضعية الاجتماعية التقليدية في هذه النقطة ذات الأهمية الخاصة، انطلاقا
من تحليل إمكانية نقل المعلومة.
لقد كان كل المنظرين الذين كانت لهم سلطة في الحركة الاشتراكية في ذلك الحين،
متفقين على حقيقة مفادها أن الاشتراكية ينبغي لها أن تعارض الملكية الخاصة للأرض
وأن تنادي بالاستغلال التعاوني الواسع.
في حين سنجد لينينLenin، الذي كان رجل سياسة، لكنه سيتصرف تصرف
السوسيولوجيين بل المنظرين في التواصل، يشرح في هذا الإطار كيف أنه يمكن تمرير
كلمات ذات طابع اشتراكي لكن لا يمكن على الإطلاق إقناع الفلاحين بمزايا الاستغلال
الجماعي الواسع، وبوجوب التخلي عن الملكية الخاصة للأرض؛ مهما كان الفلاحون أوفياء
لنظام “تزار”، يمكن مع ذلك أن نعمل على تمرير سلسلة من المعلومات، بهدف تغيير
وعيهم، لكن هناك فكرة من المستحيل اقتناعهم بها : التخلي عن الامتلاك الخاص للأرض من
أجل الاستغلال التعاوني.
وسط سخط العديد من الاشتراكيين، من بينهم روزا ليكسامبورغRosa Luxemburg،صاغ
لينين كلمة سر لم تكن منتظرة نهائيا : الأرض للفلاحين. إنه مثال كلاسيكي لتحليل
سوسيولوجي مؤسس على الوعي الممكن .
من المهم، في الحقيقة، بالنسبة لكل من يريد التدخل في الحياة الاجتماعية أن يعرف
بالتحديد المعلومات التي يمكن تبليغها، وتلك التي تتعرض لتشوهات قليلة أو كثيرة، وتلك
التي لا يمكن تبلغيها.
في دراسة هذه المسألة اقترح أربعة مستويات للتحليل، يبدو لي من المهم عدم خلطها :
أولا، يحدث كثيرا أن نجد معلومة لا تستقبل،وذلك بسبب نقص في الإخبار الأولي؛ إذا
عرضت أما مي تركيبة رياضية شديدة التعقيد، وبما أني لست مختصا في الرياضيات
لن أفهمها بقدر كاف؛ ينبغي تزويدي بمعلومات تكميلية لكي أستطيع فهم الرسالة.
هذا هو المثال الأقل أهمية بالنسبة للمختص في علم النفس أو علم الاجتماع؛لسوء
الحظ، غالبا ما نجد عددا من الباحثين، خاصة من الفلاسفة الذين يبحثون في مشاكل
التواصل، يظنون أن عدم التفاهم يأتي أولا من عملية إخبار غير كاملة وأنه يكفي أن
نكون أمناء ونزود الشريك بكل المعلومات الضرورية لكي تتم عملية التلقي في ظروف
حسنة . في الحقيقة ، هناك مشاكل في التلقي توجد في مستويات أخرى ، وصعوبات
في الإرسال لا تتوقف على نقص في المعلومات الأولية.
تبدو الدرجة الثانية أكثر أهمية من السابقة، رغم أنها ليست ذات طابع سوسيولوجي
خالص وتتعلق بالبنية النفسية للفرد.
لقد أثبت فرويد Freud أن شخصية كل إنسان تتكون من سلسلة من العناصر البنيوية
التي تتراوح بين الرغبة والنفور، وهي ناتجة عن ماضيه الذي يجعل “أناه” يصد بعض
المعلومات، ويشوه أخرى.
مرور المعلومة، في هذه الحالة، يستلزم تحولا في الوعي، في مستواه النفسي
الخالص، خارج أي تغيير اجتماعي. يتعلق الأمر هنا بحاجز في التواصل أكثر ثباتا من
الحالة الأولى، لكن يمكن أيضا تصور إمكانية تجاوزه : يمكن تحويل البنية النفسية للفرد
في حدود .يمكن تغيير الوسط الذي يعيش فيه هذا الفرد، كما يمكن أن نخضعه للتحليل
النفسي …إلخ.
الدرجة الثالثة، ذات طابع سوسيولوجي هذه المرة، لكنها تبقى جانبية مع ذلك.وهي
تلك المتعلقة بجماعة اجتماعية مكونة من أفراد معينين، وبالنظر إلى بنية وعيها الكائن
الناتج عن ماضيها، وعن عدد من الأحداث التي أثرت فيها، فهي تقاوم عبور معلومات
معينة.
يمكن لنا أن نتصور، مثلا، باحثين ينتمون إلى مدرسة نفسية مرتبطة بأطروحة دافعوا
عنها يرفضون الاطلاع على نظرية جديدة تشكك في أعمالهم السابقة.
في هذا المستوى لا زال المشكل غير جوهري أيضا،رغم أنه المستوى الذي يحصل
فيه عدد كبير من الخلافات ، ومن مشاكل الحوار في الحياة الاجتماعية . أظن مع
ذلك
أن الجماعة المذكورة من الباحثين يمكن لها أن تستمر في الوجود باعتبارها جماعة ،
حتى ولو وصلت إلى الوعي بالقيمة النسبية لنظرياتها، من الممكن لها في آخر المطاف
إدماج النظرية الجديدة.
يتعلق الأمر هنا أيضا بإمكانية التحول في الوعي الممكن الذي لا يجعل وجود الجماعة
موضع تساؤل.
نصل الآن إلى المستوى الأكثر أهمية في المجال الذي يهمنا، حيث يطرح مشكل ما
سماه ماركس حدود الوعي الممكن. لكي تتحقق عملية نقل المعلومات ، في هذه
الحالة ، يجب على الجماعة في حد ذاتها أن تتغير أو تتحول ، إلى درجة
تفقد فيها
خصائصها الاجتماعية الأساسية.
توجد بكل تأكيد معلومات مناقضة للخصائص الجوهرية لهذه الجماعة الاجتماعية أو تلك ،
وهي الحالة التي تتجاوز فيها المعلومات أقصى حدود الوعي الممكن لجماعة ما. لذلك
يجب دائما على السوسيولوجي حين يدرس جماعة اجتماعية أن يتساءل: ماهي
مقولاتها الفكرية الجوهرية؟ ما هوالمنظور الخاص لمفاهيم الفضاء ، الزمن، الخير،
الشر ، التاريخ ، السببية …الخ ، الذي يبنين وعيها ؟وإلى أي حد ترتبط هذه
المقولات
بوجود الجماعة؟ وفي الأخير، ماهي المعلومات التي توجد خارج هذه الحدود، أي تلك
التي يمكن استقبالها بدون تحولات اجتماعية جوهرية؟
كل جماعة تتطلع، في الحقيقة، إلى معرفة الواقع بطريقة صحيحة، لكن معرفتها لا يمكن
أن تذهب إلى أقصى حد موافق لوجودها.
بعيدا عن هذه الحدود لا يمكن للمعلومات أن تعبر إلا إذا نجحنا في تحويل بنية
الجماعة،
تماما مثل حالة الحواجز الفردية،حيث لا تعبر المعلومات إلا حين نحول البنية النفسية
للفرد.
يتعلق الأمر هنا بمفهوم أساس في دراسة إمكانيات التواصل في الحياة الاجتماعية.
لهذا المفهوم أهمية إجرائية كبيرة، لكنه لم يدرس لحد الآن بما فيه الكفاية ،الوسائل
التي تسمح بتوظيفه تم بالكاد استخلاصها.
أريد الآن التركيز على الموضوع التالي : في دراسة الظواهر الإنسانية لا نواجه أبدا
مشاكل تطرح على مستوى الوعي.كل فعل إنساني، سواء كان فرديا أو جماعيا، يحضر
في الحقيقة باعتباره مجهودا إجماليا لتكييف الذات مع العالم المحيط، أي باعتباره
سيرورة موجهة في اتجاه تحقيق حا لة من التوازن تبقى مؤقتة في الحدود التي
ستصبح معدلة بتحول العالم المحيط ،الناتج من جهة عن حركة الذات داخل هذه الحالة
من التوازن وتمدد دائرة هذه الحركة.
في ظل هذه الشروط، كل محاولة لعزل مجال خاص عن سياق التوازن هذا يمكن أن
يكون ضروريا للفهم والبحث، بشرط أن يبق مؤقتا، قابلا للتصحيح بعد ذلك ، من خلال
إدراج الموضوع المدروس ضمن مجموع العناصر الأساسية التي ينتمي إليها.
تبدو لنا هذه الاعتبارات ذات أهمية لكون الرابط بين بنية الجماعة الاجتماعية ومشاكل
نقل المعلومات هي من نمطين مختلفين : إذ يمكن أن تنتج ، في الحقيقة ،
من كون
التواصل يتجاوز الأطر المقولاتية التي تبنين الوعي الجماعي للجماعة. وفي هذه الحالة،
تنتج هذه المشاكل عن عدم التوافق بين عناصر البنية – التي إن لم تكن دائمة
فهي
مستمرة نسبيا – وبين طبيعة الرسالة المنقولة .
وبما أن حياة الإنسان والجماعات الاجتماعية ليست مجرد حالة، وإنما مجموعة سيرورات،
يمكن أن ينتج مشكل التواصل عن شكل اشتغال هذه السيرورات، وهو اشتغال مرتبط
دائما بصفة مباشرة أو غير مباشرة بنزعة الذات الفردية أو الجماعية إلى الحفاظ على
بنيتها والتصرف في اتجاه تحقيق التوازن . غير أن هذا الطابع النسبي والمؤقت لكل
فصل يكتسي هنا أهمية خاصة لكون مشكل نقل المعلومة لا ينتج دائما عن التنازع
مع المواقف الصادرة من المجال المدروس، بل عن الارتدادات التي يمكن لاشتغال هذا
المجال أن يحدثها على السيرورات التي تعتمل في دائرة أخرى ، مستبعدة مؤقتا من
البحث.
لنقف عند بعض الأمثلة : يمكن أن نقوم بتاريخ للعلوم الطبيعية والاجتماعية باعتبارها
مجموعة من التحولات العقلية المحضة . من المنظور العلمي، يمكن أن يكون هذا
التأطير للموضوع ضروريا جدا. لكن لا ينبغي للسوسيولوجي أن ينس أن كل نظرية علمية
لها، على المستوى الاجتماعي، نتائج عملية وإن كان الباحث الذي أعدها لم يفكر فيها
أبدا، ويجهلها تماما. والحا لة هذه، إذا كانت هذه النتائج العملية – خاصة عندما يتعلق
الأمر بعلوم إنسانية- من طبيعة تجعلها تدخل في تعارض مع الأهداف العملية لفئة
اجتماعية، فإن مشاكل ستطفو على السطح ، سواء أثناء إعداد هذه النظرية أو حول
إمكانيات طرحها للنقاش بعد إعدادها ، أي حول نقل الرسالة التواصلية.
الوعي الكائن والوعي الممكن في قصيدة سبتة
, ما هو الوعي الكائن والممكن ماذا تعرف عنهم
الوعي الكائن والوعي الممكن في قصيدة سبتة
- ماهو الوعي الكائن والممكن