هو من الشعراء الصعاليك وسمي بلشنفري لغلظ شفتيه نظم ليصف
حياته التي بدت من نوع خاص
شرح لامية العرب لماذا سميت لامية العرب بهذا الاسم؟ قصيدة لعمرو بن مالك الأزدي
وهو من الشعراء الصعاليك، وسُمّي بالشنفرى لغلظ في شفتيه، كان قد نظم لاميّته
ليصف حياته التي بدت من نوع خاصّ تنبذ الناس
[١]،إذ يقول في مطلعها:
[٢] أَقيموا بَني أُمّي صُدورَ مَطِيَّكُم فَإِنّي إِلى قَومٍ سِواكُم لَأَمَيلُ يدعو الشنفرى قومه
للاستعداد الحازم والفعلي لقتال العدو والأخذ بنصيحته وإن كانوا يميلون عنه فهو يتعهّد
بالرحيل والتخلّي مُعلنًا إمكانية استبدال قوم آخرين بهم، مُستخدمًا بذلك صيغة التفضيل ”
أميل” محاولًا تأكيد أنّه لم يكن ليتخلّى لولا مبادرة قومه إلى ذلك.
[٣] ويقول:
فَقَد حُمَّت الحاجاتُ واللَيلُ مُقمِرٌ وَشُدَّت لِطِيّاتٍ مَطايا وَأَرُحلُ يبدو الشنفرى عازمًا على
الرحيل بالفعل، فقد أعدّ العدّة واستعد لركوب المطايا، إذ اشتدت به الحاجة لذلك الرحيل
حتى استدعاه الأمر للتنفيذ ليلًا، ويعتمد الشاعر في تصوير استعداده للرحيل على
عنصر الحركة المتمثل بشد المطايا وتهيئتها للرحيل، وعنصر اللون المتمثل في حالة
الإقمار ليلًا، وكأن لسان حاله يقول إنّ رغم هذا الظلام وصعوبة الحياة بعد هذا الرحيل
إلا أنّه لا يزال يلتمس أمل التغيير في الانفراد والاستقرار الذي يوحي به ضوء القمر.
[٤] ، ويتابع الشنفرى فيقول:
[٥] وَفي الأَرضِ مَنأى لِلكَريمِ عَنِ الأَذى وَفيها لِمَن خافَ القِلى مُتَعَزَّلُ يرى الشنفرى
أنّ الأرض تتسع لكل مَن يقبل عليها فارًا من شباك الأذى والمذلة التي قد يقع
فيها
المرء بسبب أقرب الناس إليه، وهو بذلك يبثّ شكواه من قومه ويبرّر عزمه وإصراره
على الرحيل رغم صعوبة الحال وقسوة الوحدة، وفي هذا البيت يفعّل الشنفرى مظهرًا
من مظاهر الطبيعة في العصر الجاهلي ويسقط عليها حسًا إنسانيًا فيجعل الأرض
تقري الضيف وترحب به وإن كان قومه قد ضاقوا به ذرعًا.
[٦] ويتابع وصفه للأرض قائلًا:
لَعَمرُكَ ما في الأَرضِ ضيقٌ عَلى اِمرئٍ سَرى راغِبًا أَو راهِبًا وَهوَ يَعقِلُ يُقسم الشنفرى
مُؤكّدًا ما يؤمله من السلامة وحسن الجوار الذي سيلاقيه عند رحيله، فالأرض رحبة
ولن تضيق بهؤلاء الذين يسرون إليها ليلًا طامحين بالراحة والسلامة من أذى الناس،
ولا بهؤلاء الذين فرّوا إليها وقد رهبوا ما لا يلائمهم من فعال الناس، وفي هذا
البيت
وظّف أسلوب القسم مُحاولًا تأكيد ما يدّعيه من رحابة الأرض والاستقرار النفسي
الذي سيُلاقيه فيها بعد رحيله، ولعلّه لجأ لأسلوب القسم لما التمسه من ضعف
حجّته أمام قومه.
[٧]، ويبلغ به الأمر ذروته فيقول:
وَلي دونَكُم أَهلَونَ سيدٌ عَمَلَّسٌ وَأَرقَطُ زُهلولٌ وَعَرفاءُ جَيأَلُ لم يكن الشنفرى على
استعداد للتخلّي عن حمى القبيلة والأهل والهروب منهم إلى بقاع الأرض الواسعة
وحسب، إنما كان قد استبدل بهم وحوش الصحارى وحيواناتها قومًا له وأهلًا، وهو
بذلك يهجو قومه ويهينهم لا بالتخلي وحده وإنما بكيفية هذا التخلي، ويفصل الشنفرى
في وصف تلك الوحوش وكأنه يمتدح فيها حسن صفاتها، ويستعيض بذلك الوصف عن
التصريح بأسمائها وهذا يجعل استبداله لهم وجيهًا نوعًا ما، وتأخذ لغة الشاعر في هذا
البيت منحى وحشيًّا غريبًا يعزّز انتماءه الجديد للبيئة الصحراويّة القاسية فانعكس ذلك
في لغته الشعرية .
[٨] ويقول:
هُمُ الرَهطُ لا مُستَودَعُ السِرَّ ذائِعٌ لَدَيهِم وَلا الجاني بِما جَرَّ يُخذَلُ يرى الشنفرى في
تلك الوحوش ما يُميّزها ويجعله يفضلها على قومه فهم لا يفشون سرًا أودع لديهم،
كما أنّهم كرام ينصرون مَن ينتمي إليهم ظالمًا كان أو مظلومًا، وهو بذلك يعير قومهم
بسوء طبعهم الذي دفعهم للتخلي عنه وعن مناصرته، وفي هذا البيت يُوظّف الشنفرى
أسلوب التجسيد فيمنح وحوش الصحارى صفات إنسانيّة حميدة قلّة هم مَن يتمتّعون
بها منهم، كما أنّه يستفتح البيت بجملة اسمية ليمنح قوله صفة الثبات والديمومة.
[٩] ويقول:
[١٠] وَكُلٌّ أَبِيٌّ باسِلٌ غَيرَ أَننَّي إِذا عَرَضَت أُولى الطَرائِدِ أَبسَلُ بعد مُفاضلة كان الشنفرى
قد عقدها بين قومه وبين وحوش الصحارى، فإنّه يخلق مُفاضلة أخرى بينه وبين الوحوش،
فتلك الوحوش على بسالتها وشجاعتها هو يفوقها شجاعة وبسالة وإن عرضت تلك
الطرائد الأولى فهو أسبق منها وأكثر بسالة، وهو يتوجّه بكلاهه هذا إلى قومه في
محاولة منه لاستفزازهم ولفتهم إلى قوّته وشجاعته وأهميّته في الغزوات، فيندمون
على مُفارقته وتخلّيهم عنه، وهو لذلك يستخدم أسلوب المنطق الحجاجي الذي يمنح
شعره جدية وواقعية.
[١١]، ويقول:
وَإِن مُدَّتِ الأَيدي إِلى الزادِ لَم أَكنُ بِأَعجَلِهِم إِذ أَجشَعُ القَومِ أَعجَلُ يُتابع الشنفرى فخره
بنفسه بتعداد خصاله الحميدة، فهو لا يتمتع بالشجاعة وحسب، إنما يتمتع بالكرم وعزة
النفس والسماحة كما أنه يؤثر غيره على نفسه فلا يسارع ليلتقم الطعام بينما يفعل ذلك
الآخرون، وفي هذا البيت يعمد الشنفرى لتفعيل عنصر الحركة الذي منح القصيدة واقعية
وجعل الصورة التي رسمها لخصاله أكثر وضوحًا ومصداقية.
[١٢] ويقول:
وَما ذاكَ إِلاّ بَسطَةٌ عَن تَفَضُّلٍ عَلَيهِم وَكانَ الأَفضَلَ المُتَفَضَّلُ يُصرّح الشنفرى بفخره وحقّه
بالفخر بتلك الخصال الحميدة التي تجعله يتفضّل على الآخرين ويتميّز عنهم، وقد أحسن
الشنفرى انتقاء نقاط الفخر التي بإمكانها أن تكون سببًا في إعلاء شأنه فتقصّد المفاخر
الخلقية وتجنّب المفاخر الخَلقية التي لا طائل منها.
[١٣] ويقول:
وَإِنّي كَفانِي فَقدُ مَن لَيسَ جازِيًا بِحُسنى وَلا في قُربٍه مُتَعَلَّلُ يُصرّح الشنفرى بأنّ هناك
ما كفاه وأغناه عن كلّ أولئك الذين لا يُجازون الحُسنى بالحسنى ولا حتى هو ينال
منهم التعلّل والأنس، وفي هذا البيت يرتكز الشاعر على لغة الأنا المتمثلة بضمائر
المتكلم لإشعار المخاطب بقوته وبفعلية اكتفائه واستغنائه عن قومه، وبذلك فإنّه لا
يلجأ للمنطق الحجاجي فقط وإنّما يستعين بالمنطق اللغوي الذي يدعم مقصوده.
[١٤] ويقول:
ثَلاثَةُ أَصحابٍ فُؤادٌ مُشَيَّعٌ وَأَبيَضُ إِصليتٌ وَصَفراءُ عَيطَلُ يُبيّن الشنفرى في هذا البيت
الأصحاب الثلاثة الذين اكتفى بهم وأغنوه عن قومه وهو قلب شجاع، وسيف حاد
مصقول، وقوس عظيمة، ويظهر الشاعر هنا ميله لسرد التفاصيل والتعداد محاولًا إشباع
رغبته بالاكتفاء مُبررًا لنفسه فكرة الاستغناء عن قومه، و لا يتوانى عن إضفاء بصمة
العصر في قصيدته من خلال كشفه في هذا البيت عن بعض الأسلحة التي كانت
مستخدمة في العصر الجاهلي كالسيف والقوس، كما أنّه بذكره لهذه الأنواع من
الأسلحة يُعزّز جانب التصوير الذهني للقصيدة لدى المتلقي، حيث تتراءى صور تلك
الأسلحة في الأذهان فيكون المقصود أكثر بروزًا ووضوحًا له.
هَتوفٌ مِنَ المُلسِ المُتونِ يَزينُها رَصائِعُ قَد نيطَت إلَيها وَمِحمَلُ يمنح الشاعر قوسه
تفصيلًا خاصًا فيتعمّق في وصفها ويقول إنّها قوس سهامها مصوتة إذا ما انطلقت،
وهي ملساء مصنوعة من عيدان مصقولة الصنع، كما أنها مزينة ومرصعة بالجواهر
بالإضافة أن لها محمل خاص لتحمل به، وفي هذا البيت يتابع الشاعر منهجه الأول
في الارتكاز على عناصر اللون والصوت والحركة لخلق صور ذهنية محملة بالتفاصيل
والجزئيات الصغيرة التي تمنح صورته نوعًا من الواقعية والمصداقية الشعرية.
ويقول: إِذا زَلَّ عَنها السَهمُ حَنَّت كَأَنَّها مُرَزَّأَةٌ عَجلى تُرِنُّ وَتُعوِلُ يصف الشنفرى قوسه
إذ انطلق السهم منها فهي تصدر أصواتًا تئن وتحنّ كأنّها امرأة فجعت بولدها، ويلجأ
الشاعر في هذا البيت إلى أسلوب التشبيه وذلك لتعزيز التصوير الفني المُرتكز إلى
عناصر الصوت واللون والحركة التي أشارت إليها الدراسة آنفًا، حيث شبّه الشاعر قوسه
فيما يصدر عنها من صوت إثر انطلاق السهم بامرأة فجعت بوليدها فهي تئن وتحن.
وَلَستُ بِمِهيافٍ يُعَشّي سَوامَهُ مُجَدَّعَةً سُقبانَها وَهيَ بُهَّلُ يصف الشنفرى صبره
على العطش والجوع فهو ليس سريع العطش تأخذه حاجته للاستئثار بلبن الإبل وإن
كان لبنها قليلًا، وحرمان صغارها منه من أجل الفوز به، وهذه واحدة من المفاخر الخلقية
التي يشعر الشنفرى بأنه يتفرّد بها عن غيره من بني قومه، ويعبّر عنها بأسلوب دقيق
التفصيل يعنى بنسج الصور الذهنية للتأثير على المتلقي.
[١٥] وقال:
وَلا جَبأَ أَكهى مُرِبٍّ بِعِرسِهِ يُطالِعُها في شَأنِهِ كَيفَ يَفعَلُ يُتابع الشنفرى أوصافه
المحمودة وينفي عن نفسه الجبن والتخاذل، فهو ليس من هؤلاء الذين يلازمون
بيوتهم ويخضعون لمَشورة زوجاتهم فيما يستعصي عليهم من أمور يفترض بهم أن
يتصدّوا لها بأنفسهم ولا هو يطلعها على ما رابه من أمر فهو شجاع قادر على
تدبُّر
أمره بنفسه دونما عازة لأحد سواه، ويبدو الشاعر بدءًا من هذا البيت وقد بلغ مبلغ
المدافع عن نفسه فهو يأخذ في نفي صفات قد تكون ألصقت به لا سيما وأنّه
قد لاقى
الأذى في قومه حتى استدعاه الأمر الرحيل.
[١٦]، ويقول:
وَلا خَرِقٍ هَيقٍ كَأَنَّ فُؤادَهُ يَظَلُّ بِهِ المُكَّاءُ يَعلو وَيَسفِلُ يُتابع الشنفرى نفي صفة الجبن
عنه فيقول إنّه ليس بأحمق يخيفه أيّ شيء، وليس ممّن يقبض الخوف قلبه ويسيطر
على فعاله، فيأخذ بالتخبّط فيفقد السيطرة، ويرسم الشنفرى صورة تعجّ بالحركة
والاضطراب لشدّة الخوف وطريقة خفقان القلب وقت الخوف من خلال التشبيه حيث
يشبّه القلب في خفقانه كأنما التقطه طائر المكاء فهو يعلو به ويهبط دونما استقرار.
شرح قصيدة لامية العرب
, من هو بن لاميه وما هي قصيدته
شرح قصيدة لامية العرب
- ما نمط نص الشنفري في لامية العرب